أينَ زُحَلْ؟
وجدتُ نفسي في المنامِ وحيداً
أطيرُ بغيرِ أجنحةٍ إلى زُحَلْ!
أقلعتُ مُبكِّراً بمَعيتي خُبزٌ وماءْ
عبرتُ حاجزَ المُزْنِ الكثيفِ بلا وَجَلْ!
وحين جلستُ أُسامرُ فوقَ هاماتِ السُحُبْ
شعرتُ بأنِّي طَلِيقٌ كعصفورٍ رحلْ
بعد أسْرٍ دامَ رَدْحاً طويلاً
ذاقَ أصنافَ المواجعِ فانتحلْ
ولما لامَسَ المُزنُ جسمي .. مسامي
كأنِّي بغَيثٍ غزيرٍ هطلْ!
بصحراءِ عُمرٍ جديبٍ كئيبٍ
ففاحَ أريجُ الربيعِ وناءَ المَحَلْ!
إنتشيتُ بذاكَ الشعورِ إبتداءً
فهل في المُنتَهى فرحةٌ لبلوغِ الأملْ؟
توالى صُعُودي في الفضاءِ السَحيقِ
كصاروخِ دَفعٍ هاربٍ من مكوكٍ حَمَلْ!
في الطريقِ رأيتُ أنجُماً ساطِعة
وبالقربِ منها نُجَيمٌ أَفَلْ
مررتُ عليها مرورَ الكِرامِ
فألفيتُ سيلاً من عُروضِ العمَلْ!
في إباءٍ رَكَلتُ جميعَ العُروضِ
فكيفَ لمثلي أن يكتفي بالأقَلْ؟!
واصلتُ غَزْوي صُعوداً حَثيثاً
فما بَنا المجدَ مَنْ آخى الكسَلْ
تخيَّلتُ نفسي حاملاً صيدي السمينْ
مُقبلاً صَوبَ الديارِ كبدرٍ أطَلْ
وعَبلةْ غاليتي خرجتْ تُرحِّبُ بي
بفارسِ عَبْسٍ وكنزٍ فوقَ أدهَمِهِ حمل
تخيَّلتُ أبواباً للمجدِ والسَعْدِ أُشرِعَتْ
وعِزّاً عظيماً من قبل لم يُنَلْ
سأركبُ دوماً أصيلَ المَطايا
وأسكنُ داراً تبِِزُّ فسيحَ (الفِللْ)
ثم أجلسُ أكتبُ شِعراً رَصِيناً في عَبلةْ
أنامُ الضُحى وفي المساءْ أحتفِلْ
بصفقَةِ عُمرٍ أو بميلادِ مُهرٍ أصيلٍ
وأزهو كنجمٍ في أبهى الحُلَلْ
فجأةً عَمَّت الكونَ أُمُّ العواصِفْ
هَوتْ بي سريعاً فصِرتُ كجَرمٍ نزلْ
قاومتُ بعُنفٍ لكني ضَعُفتُ وخارت قُوايْ
وكنتُ قوياً أهِدُّ الجبلْ!
تلفَّتُ حولي .. تساءلتُ أينَ جناحي؟
تذكَّرتُ أنْ لا جناحَ عندي أو حبلْ!
أردتُ اللِحاقَ ببعضِ الشَظايا تراءت
بدتْ لي كطُوقِ نجاةٍ أخيراً وصلْ!
لكنها طارتْ بعيداً فأيقنتُ أن دكِّي قريبٌ
فهل لنجاتي بعدَ إرتطامي أمَلْ؟
لمحتُ البسيطةَ دوني مِثلَ غُولٍ رهيبٍ
أسالَ بِِحاراً من دِماءٍ نَهَلْ!
فهل طعاماً لغولٍ أخيراً أصيرُ؟
يا لبؤسِ المآلِ .. أيُ نحسٍ وذُلْ؟
قبلَ إرتطامي المُــــريعِ صحــوتُ
صرختُ كطفلٍ تصدَّى لأمرٍ جَللْ!
إستفاق الصِغارُ وعَبْلَةْ أضاءوا الثُريَّا
صبّوا عليَّ ماءً فعمَّ المكانَ البَلَلْ
بدا الكونُ من فوقي عظيماً مُهِيباً
ومن تحتيَ الأرضُ تسبَحُ وحولي زُحَلْ!
رصدتُ الوجوهَ أمامي بإنبهارٍ شديدٍ
كأنِّي بهمْ قد أتوا من أَزَلْ!
فقلتُ وقلبي بعُنفٍ يَدُقُّ:
يا لفرحة عُمري بكَشفٍ عديمِ المَثَلْ!
لكن عَبْلَةْ لِكَشْفي أضاعتْ حينَ قالتْ:
كمْ غَزوتَ الفضاءَ سُباتاً وكنتَ البطلْ
ولكنْ ما بَرِحْتَ الدِيارَ وما سموتَ يقيناً
إلا بقدرِ الشُجيرةْ تمتطي في عَجَلْ!
لعُمري كيفَ صارَ الكُويكِبُ فرشاً
والكونُ ثريَّا أين عقلُكَ .. هل رحل؟!
للتغَرُّبِ صِرتَ أسيراً .. سيُرْدِيكَ حَتماً
أو يهوِي بلُبِّكَ في أُتونِ الخَبَلْ
تشبَّثْ بأرضِكَ وسل التغرُّبَ تنجو
فمجدُكَ .. عِزُّكَ في الوطنْ يا رجُلْ
قلتُ وكُلِّي عُيونٌ تجوبُ السماءَ:
تقولينَ دوماً كلاماً كطعمِ العسلْ
ولكن يا كُنَيزَ العُلومِ أجيبي..
أينَ ذاكَ الكُويكِبُ .. أينَ زُحَلْ؟!
........................................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى :