تقديم
من الصعوبة بمكان لشاعر معين أن يكرس احد دواوينه أو مجموعة معتبرة من قصائده لتناول موضوع واحد أو فكرة واحدة، لان في ذلك توقع شبه مؤكد لازدياد مساحة التكرار والإعادة، وهما صفتان لا تألفهما ذائقة القارئ التي تأبى هذا الأمر. ولكن بخلاف ذلك يأتي ديوان أسائل نفسي للشاعر/عبدالرحمن هارون عبدالرحمن، ففي الديوان تخصيص لتناول قضية الاغتراب ومسالة الوطن.
إن الشاعر عندما يسيطر عليه موضوع واحد، وتهيمن عليه فكرة واحدة يتخذها إطلالا للبكاء حولها، بل يوقف حيانه الشعرية في البحث عن تفاصيل ذلك الموضوع وتلك الفكرة، ويظن كل الظن أن الناس من حوله يشاركونه الشعور نفسه فرحا وحزنا، ضحكا وبكاء، بل يتمادى في ذلك فيجعل الحيوانات المختلفة جزءا من تلك المشاركة على سبيل الرمز وعلى سبيل الحقيقة.
انطلاقا من تلك الحقائق يجيء ديوان الشاعر / عبدالرحمن هارون عبدالرحمن أسائل نفسي : فصل في سفر الاغتراب. ويتمحور هذا الديوان حول:
تناول هموم المغترب وما يكابده من اجل العيش، وذكر حنينه المستمر إلى وطنه، وربط ذلك بأمنيات جانحة لا تكاد تتحقق.
تناول آمال وطموحات المغترب الذي تحدوه ويسعى إلى تحقيقها، وان هذا الأمر لا يتم، والمأساة إن ذلك المغترب احرق جميع مراكبه من خلفه.
تناول ماسي المغترب والاستنجاد بمن يخلصه من هذه المحنة الكبرى التي وقع فيها الشاعر وغيره من المغتربين.
تناول تلك الصداقات الحميمة التي تجمع بين المغتربين على اختلاف أوطانهم، وكان في ذلك مصداق لقول الشاعر العربي : إن المصائب يجمعن المصابينا
تناول بكاء المغترب عمره الذي أفناه في الاغتراب وأضاعه في الغربة، وتحسره على شبابه الذي دفنه هناك حيث لا عزاء
تناول حنين الشاعر للوطن، ذلك الحنين الذي يبثه
للعصافير. وان القرى والبوادي تشاطره ذلك، وكذلك السهول والصحاري. ويقرن الشاعر ذلك بان حصاده دائما السراب ثم السراب.
إن هذا قليل جدا من فصول المعاناة التي يتناولها الشاعر في غربته المكانية ومن ثم الروحية، إذ هو يحكي للقارئ قصة كاملة الفصول لمعاناة المغترب في بلاد الغربة لا سيما مع "وكيله" وكل ذلك في صوت مبحوح يزهد الآخرين في الغربة على ما فيها من بريق وسراب خادع.
إن ديوان أُسائلُ نفسي لنفس حزين لشاعر حزين يقدمه لإنسان مثله حزين، فتجتمع هذه الأحزان جميعها لتصور حياة الشاعر/المغترب الحزين ذلك الإنسان الذي يراه المقيمون في أوطانهم بأنه اسعد الناس، وهو في الحقيقة أشقاهم.
إن هذا الديوان الذي نقدم له، برغم ما فيه من إشكال في العروض أحيانا، يتسم بقوة التعبير، ووضوح الفكرة، وجمال العبارة. بالإضافة إلى انه يتسم برمزية محببة للنفس،
رمزية يلجا إليها الشاعر عندما يريد أن يفر من الواقع المؤلم إلى واقعه الخاص، وهنا تظهر قيمة الفن وإبداع الشاعر.
- على كل حال فان هذه دعوة لقراءة الديوان بصورة تفصيلية. وانأ على يقين بان فيه إضافة مرضية للقارئ الذي يبحث عن أدب راق وجيد
الدكتور كمال محمد جاه الله
أستاذ العروض بجامعة إفريقيا العالمية
الخرطوم – السودان
...........................
ـ نُشرت هذه الدراسة فى موقع دنيا الرأى رابط :