ليث في الغربة
جاءَ ليثٌ من وراءِ البحرِ يزأرْ
يطلبُ اللحمَ طريَّاً دونَ مِنَّةْ
فهو لم يأتِ أسيراً أو طَرِيداً
بل بعَقدٍ نافذٍ وتحليلٍ و(فِيزةْ)
واجهَ الليثُ أشواكاً عديدةْ
إستدانَ .. باعَ البيتَ مُضطرّاً لغُربَةْ
بعد أن جفَّتْ ينابيعُ السُهولِ
وغدا الصيدُ هزيلاً منذُ مُدَّةْ
عندما جارتْ ذئابٌ وأفاعي
بَغَتْ .. أفسَدتْ باللُؤمِ جنَّةْ!
نهَلَتْ من دمِ الضُعفاءِ ظُلماً
تمادَتْ إرتوتْ من غيرِ رحمةْ
تاجَرتْ في سُوقِها السوداءِ سِرّاً
حقَّقتْ أرباحاً مضاعَفَةً وشُهرةْ
داستْ قِيماً وأخلاقاً تسامتْ
على مدى التاريخِ كانت للسهلِ بَصمةْ
فعمَّ السهلَ قحطٌ دامَ عَقداً
طَغت بعدهُ للغُربةْ مَوجةْ
بذلَ الليثُ جُهوداً لا تُضاهى
كانَ دوماً في سماءِِ الغُربةْ نَجمةْ
ضاعفَ الإنتاجَ والإيرادَ حقاً
بَزَّ في الإبداعِ جهابِذةَ الفِرِنجةْ!
ولمَّا ذاقَ (الوكيلُ) ثِمارَ جَهدٍ
سالَ لًعابُهُ كنهرِ دِجلةْ
فزادَ على المسكين أعباءً وهَمَّاً
حقَّقَ من جُهودِ الليثِ ألقاباً وثروةْ
حاز داراً ثم قصراً ثم بُرجاً
وتوسَّعتْ التجارةُ حينها.. راجتْ بقُوةْ
فذاع الصِيتُ في الأصقاعِ طُرَّاً
ليصعَدَ في البورصاتِ ألفَ نُقطةْ!
لكن الليثَ لم ينعمْ بلحمٍ
فَجُلُّ طعامِهِ فِجْلٌ وموزهْ !
حتى أصابَهُ وَهَنٌ وداءٌ
فصامَ مُضطَّراً عن الإنتاجِ فترةْ
ولما ساءَ حالُ الليثِ والإنتاجِ أيضاً
جاءَ (وكيلُهُ) يستقصيْ أَمرهْ
قال: ذَبُلتَ يا هذا كمقطوفِ الوُرودِ
ما عدتَ ذاكَ الليث .. تبدو كلَبوةْ!
ها أنتَ ترقُدُ هانئاً مثلَ الظِباءِ
ومصانِعي تصدأ وأسهُمي تنهارُ فجأةْ
أخلَلتَ بالعَقدِ الموقِّعِ من قديمٍٍ
فلن أعطيك بعدَ اليومِ حبّةْ !
استشاط الليثُ غَيظاً وامتعاضا
قال: أليسَ لدَيكَ من الإحساسِ ذَرَّةْ؟
لو أن الداءَ يترُكُني قليلاً
لغرزتُ أنيابي في بطنِك المكْنوزِ عُنوةْ
فآنتَ من هضمَ الحقوقَ بكلِّ غدرٍ
فكيفَ تجرُؤُ ترميني بتُهمةْ؟
فشرطُ اللحمِ منصوصٌ عليهِ
بصدرِ العَقدِ وفي الخِتامِ وبكلِّ فقرةْ
ولكن لا مَرَقاً طَعِمتُ ولا قَديداً
دعْ عنكَ الشِواءَ ولو بمِزْحَةْ
وكيفَ تُطعِمُني نباتاً تسلبُني حُقوقي
ثم تطمعُ أن أصيدَ بكلِّ هِمَّةْ؟!
أنا الليثُ المُتوَّجُ في البراري
أعيشُ كما تعيشُ في الأدغالِ قِرْدَةْ!
وغيري من بِِِغاثِ البحرِ والكُثْبانِ ينعَمُ
بالشِواءِ وبالحِساءِ في كُلِّ وجبةْ!
قال وكيلُهُ في ضربةِ الحَسْمِ الأخيرةْ
ووجَّهَ كالصاروخِ نحوَ الليثِ نظرةْ
ما هَمَّني أيَّ الكواسِرِ كنتَ قبلاً
ما دامَ وضعُكَ قد تبدَّلَ في الهَويَّةْ!
نعمْ كنتَ لَيثاً في البراري لا أُمانعْ
لكنَّكَ جئتَ إلى هنا قِرداً بفِيزةْ!
وما عَهِدْتُ القِردَ يزدرد اللُحومَ
فأهنأْ بالنبتتينِ .. عُدْ لفِطرَةْ!
...................................
ـ نُشرت هذه القصسدة فى موقع دنيا الرأى رابط :