حزنُ النهايات
ظللتُ أركضُ لم أهدأ للحظاتٍ
كي أجمع أنفاسي أمضي لغاياتي
وما كانَ ركضي صَوبَ وُجهاتٍ مُحَدَّدةٍ
دوماً أُبدِّلُها كما أُبدِّلُ بعضَ حاجاتي!
فما دَرَيتُ يقيناً كمْ قطعتُ
وكمْ تبقَّتْ أمامي من مسافاتِ
ومهما ركضتُ سريعاً دونما مللٍ
شَعرتُ كأَّني في البداياتِ!
وما همَّني أينَ المآلُ أخيراً .. أيُّ مُنْقَلَبٍ
إلى غابةِ السُنطِ(*) أم حَيِ العِماراتِ(*)
ولِمَ الهمومُ ورياحي رطبةٌ دوماً
في كلِّ المواسمِ حُبلى بالعطاءاتِ؟!
وهذا نَسيمي لطيفٌ باردٌ صيفاً
سخينٌ يجودُ بدفىءٍ في الشِتاءاتِ!
فما جالَ في خاطِري هاجِسٌ أبداً
وما كَدَّرَ الصَفوَ يوماً أيُ هزَّاتِ
غير أنِّي رُحتُ أزْجُرُ النفسَ رُحتُ أجلِدُها
لما دَنوتُ من أمِّ المحطاتِ
حينَ الطيورُ أتتْ تغزو من الجُزرِ
حاصرتْ أعشاشَنا صادرتْ منَّا الملاذاتِ
قالوا زُغْبُ الحَواصِلِ شبَّتْ ابتغت عملاً
وقالوا كبِرْتُم أُحِلتُمْ للمعاشاتِ
فضاعَ العُشُّ تِلوَ العُشِّ وا عجبي
وما كان منَّا إلا رفع راياتِ!
بل ضاعَ عمرٌ مَدِيدُ كنتُ أحسًبُهُ
بقدرةِ الحيِّ يَبقى .. أجني ثمراتِ
فهل أعودُ كسيراً مُبعَداً هرِماً
وقد نزفتُ العُمرَ أعملُ مِثلَ نَحْلاتِ؟!
أو أخسرُ الحربَ أهربُ بعدَ ملْحَمةٍ
تمضي هَباءً كُلُّ صَولاتي؟
نعم أعودُ فما جَدوى البقاءِ هُنا
بعد التنكُّرِ للماضي .. لآهاتي وأنَّاتي
فأكثرُ الأمرِ إيلاماً لمجْتَهِدٍ
أن يُهضَمَ الحقُّ .. يُلْقى في المتاهاتِ
غداً أعودُ كريماً عاليَ الرأسِ منشرِحا
بينَ الكِرامِ أُكافِحُ أَبني بلداتي
وما خُروجي قديماً إلا لمصلحةٍ
ولابد من منتهىً يوماً لهِجراتي
ولكنْ كيفَ المعادُ وجَيبي لا يؤانِسُهُ
من الحُطامِ إلا بِضْعُ فِلْساتِ؟
وكيفَ الصُمودُ أمامَ الناسِ تسألُني
منْ لي بدرعٍ ضِدَّ نظراتِ؟
دد
كيفَ المعادُ طَرِيداً خاليْ الوِفاضِ إذاً
والكُلُّ يحسبُني قد نِلْتُ ثَرَواتِ؟!
ففي كُلِّ صيفٍ أَحِلُ هناك مُصطحباً
حِملَ راحلتي هدايا وفَيْضَ خيراتِ
فتصفو مجالِسُنا تظلُ عامرةً
مع شُلَّةِ الأُنسِ أمضي جُلَّ أوقاتي
فمنْ يا تُرى الآنَ يحفَل بي
عند القُدومِ يُحِيل الكونَ بسَماتِ؟
ومنْ ذا يَمُدُ يداً إذا تعثَّرت قدمي
من يعطني أملاً يُكَفْكِفُ عني دمعاتي؟
ما مِنْ سبيلٍ إذاً لعودةٍ عَجْلى
لِمَ التسرُعُ .. لم التعرُضُ للمهاناتِ؟
فالحَلُّ مُغْترِبٌ .. باقٍ هنا أبداً
الحَلُّ يَكمُْنُ في نقلِ (الوكالات)!!
نعمْ .. أظلُ أحصدُ(سَبْخَةَ) الجزرِ
أعودُ مُنكفِئا إلى صِفرِ البِداياتِ!
ما دُمتُ لم أزرعْ بماءِ النبعِ شتلاتٍ
وعزَّ في مَوطِني من يَكفِني حُزنَ النِهاياتِ!!
...................................
(*) غابة السنط : غابة شهيرة بوسط مدينة الخرطوم
(*) حي العمارات : أحد الأحياء الراقية بمدينة الخرطوم
....................................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :